الصحافة- حياة مسروقة أم مدرسة الحياة؟

المؤلف: نورة محمد الحقباني08.07.2025
الصحافة- حياة مسروقة أم مدرسة الحياة؟

في رحاب عالم الصحافة الواسع، انغمست كليًا حتى تلاشت معالم حياتي الأخرى. الصداقات والأهل، وحتى نفسي، غابت في خضم الأحداث المتسارعة. وفجأة، وجدتني مضطرة لمراجعة ذاتي، لأجد إخوتي الصغار قد ترعرعوا، ووالدي قد أثقلته السنون، وأمي وزوجة أبي قد تغيرتا. شعرت كأنني استيقظت من سبات عميق، وأدركت أنني على حافة الهاوية، يجب أن أنتشل ذاتي قبل أن أتحول إلى آلة صماء، فجوهر وجودي يكمن في إحساسي العميق وتأملاتي وكتاباتي. أحن إلى عالم الصحافة، هذا لا يمكن إنكاره، ولكني قطعت على نفسي عهدًا ألا أسمح لشيء أن يسرق مني شغفي ويرهقني. كنت أتسابق مع الزمن، بينما يقود السائق وأنا بقلبي، خوفًا من أي تأخير قد يعطل يومي بأكمله، فالوقت كان له قيمة عظيمة. كنت أحضر في يوم واحد ثلاث مناسبات مختلفة، مؤتمرات ومعارض واحتفالات، كل حدث مهما صغر أو كبر في عاصمتنا الغالية، بالإضافة إلى الدعوات التي كنت أعتذر عنها، خاصة في نهاية الأسبوع. أقسم أنني لم أكن أجد وقتًا لتأمل وجهي في المرآة، ولا حتى لاحتساء كوب الشاي مثل سائر البشر، ربما رشفة سريعة وأنا واقفة، ثم أترك الباقي للقدر، لأن الوقت لم يكن يسمح لي بإنهائه. تمنيت لو امتلكت عصا س magicية تمنحني المزيد من الوقت لإنجاز المزيد من الأعمال الصحفية، ولكن مهما بلغت أهمية تلك الأعمال، فإنها تضيع في طيات الصحيفة، وتصبح كقطرة ماء في محيط واسع، وكأنني لم أفعل شيئًا يذكر. ينتهي اليوم وأعود إلى النوم في ساعة متأخرة، ثم أستيقظ في الصباح الباكر، ولا أملك خيارًا حتى لو رغبت في الاسترخاء لبضع دقائق إضافية، فالإرادة الصلبة والتصميم القوي داخل قلبي كان أقوى من أي رغبة في الراحة البدنية. فأستيقظ وأنا أهرول مجددًا على نفس خطى اليوم السابق، هاتفي يمتلئ برسائل الشوق واللوم والعتب: أين أنتِ؟ لماذا هجرتنا؟ ماذا فعلنا بكِ لتقاطعينا؟ أتصدقون أنني لم أكن أملك الوقت للكتابة والرد على تلك الرسائل! وحتى لو وجدت الوقت للرد، لم يكن لدي الوقت الكافي للتفكير فيما يجب أن أكتبه! كنت أمر بالمقاهي والمطاعم وأرى الناس يستمتعون بأوقاتهم في الخارج، بينما أنا حبيسة السيارة في طريقي إلى مواعيدي، وأقول لنفسي: سأزور أحد هذه الأماكن في نهاية الأسبوع، ثم سرعان ما أعود وأعاتب ذاتي، وأقول: حتى إجازة نهاية الأسبوع ستكون حافلة بالمواعيد كالعادة، وبالفعل هذا ما كان يحدث. كم اشتقت إلى مساحة من الحرية في الوقت، حرمت منها خلال فترة عملي في الصحافة. شعرت وكأن حبال أحذيتي قد ربطت بعقارب الساعة، ولا يمكنني التوقف، لأن العقارب لا تتوقف أبدًا، وشعرت أن العالم يسير بهدوء وسكينة بعيدًا عن صخب الصحافة ومتاعبها. الصحافة تصنع منك شخصًا مختلفًا، تصقل شخصيتك بطريقة احترافية تجعلك تواجه جميع تحديات الحياة بقوة وثبات، مقارنة بأولئك الذين لم يخوضوا هذه التجربة على جميع الأصعدة. وخلاصة القول، بعد أن خضت غمار هذه المهنة، أرفع قبعتي احترامًا وتقديرًا لكل صحفي حقيقي، لأنه لم يبذل وقته الثمين فقط ليقدم لنا خبرًا، بل أهدى حياته وربما ضحى بها من أجل خبر قد لا نلقي له بالًا. للتواصل [email protected]

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة